Canalblog
Editer la page Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Penser fait la grandeur de l'homme

لا بدّ لنا من شيخ... يرينا شخوصها

من غرائب التّصرّفات التي علقت بنا نحن المسلمون، وكبّلت أفكارنا وحدّت من إبداعنا وقيّدت من حرّيّتنا وأقعدتنا  وسجنتنا في كهف البلادة الذّهنيّة والجهل الحضاريّ هي تشبّثنا بالبحث الدّائم عن القائد المُلْهَم والزّعيم العبقريّ والإمام المرشد، والأغرب من هذا هو حِرْصُنا على إيجاده حتّى و إن لم يتواجد، وكأنّ لسان حالنا يقول:"لا بدّ لك من شيخ يريك شخوصها" على مسلك المتصوّفة من أمّتنا. وممّا يزيد طيننا بلّة، تنزيهنا اللّامتناهي وتقديسنا الأعمى ل"حكيم زمانه ووحيد عصره" الذي "أنعم الله به علينا" بعد أن أنعمنا به على أنفسنا، فلا مناقشةٌ لنظريّاته ولا نقدٌ لمواقفه ولا جدال لأقواله، فكأنّما يوحي إلينا ما أوحى الله إليه

 وتتفتّح قرائحنا في مدحه وإطرائه وتمجيده حتّى لا يبقى في أمخاخنا مجال ولو ضيّق للتّفكير في مسائل حياتيّة أخرى تنهض بنا، وإن فكّرنا فبإلهام من مبادئه العبقريّة وباستدلال من نظراته الإستشرافيّة. وهذا بالظّبط ما وقع في مختلف بلداننا من مصر مع جمال عبد النّاصر وخليفتيه والمغرب مع الحسن الثّاني ومحمّد السّادس والجزائر مع بومدين وليبيا مع القذّافي والسّعوديّة مع آل سعود والإمارات مع آل نهيان والكويت مع آل الصّباح وعمان مع قابوس وسوريا مع عائلة الأسد والأردن مع الحسين وعبدالله...وتونس مع بورقيبة و "زعبع"ووصل بنا الأمر إلى التّباهي في ما بيننا ب"أصنامنا" ومدى ضلوعها في الحكمة واللّباقة والدّهاء السّياسيّ

 وها نحن بعد ثورتنا في اشتياق متزايد إلى"المهديّ المنتظر" الذي سيصلح البلاد والعباد ويقضي على الفقر والفساد  لنعود إلى ما تعوّدنا عليه. وفي اشتياقنا هذا، انقسمنا إلى مجموعات متباينة، كلّ مجموعة اتّخذت لها رمزا تمجّده وتدعو إليه وتخطو خطاه، وتحقد على من خالفه، دون تحليل لما صدر منه أو نقد لما ذهب إليه، بل بانصياع أعمى واتّباع غير مشروط وموالاة انتحاريّة تحت شعار"بالرّوح...بالدّمّ...نفديك يا...سي زكرة". منهم من يستدلّ بالخبرة والحكمة والتّلمذة في مدرسة من سبقه من الأصنام، ومنهم من يلجأ إلى الطّهر والإستقامة والعفّة والتّقوى، ومنهم من يذكر النّضال والمقاومة والإستبسال، وآخرون يجمعون في وَثَنِهم كلّ هذه الخصال

 وكان الأحرى بنا أن نستلهم تصرّفنا من حضارتنا التي ألهمت الحضارات والتي نعرف منها أنّ رسولنا صلّى الله عليه وسلّم كان يستشير أصحابه، بل أنّ هؤلاء الأصحاب كانوا يسألونه عمّا صدر منه "هل هو الوحي أم الرّأي والحكمة؟"، فإن كان رأياً ناقشوه فيه وربّما أتوا بما يخالفه. وكان الأئمّة الأعلام من المجتهدين يقولون "رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصّواب" وهذا يُعْتَبَر قاعدةً للحوار بين الرّأي والرّأي الآخر، وقال أبو بكر"إني ولّيت أمركم ولست بخيركم، فإذا أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني"، وقال عمر"أخطأ عمر و أصابت إمرأة" بعد مراجعتها له في مهر النّساء...والأمثلة كثيرة في هذا الشّأن...فلماذا وطّنّا أنفسنا على تقديس من هو واحد منّا؟ يأكل ويشرب ويتغوّط ويغضب و يشمئزّ ويقمطر ويعبس ويخاف ويبكي ويضحك ويمرض ويخطئ ويصيب، ويتصرّف كالصّبيان أو المعتوهين في خلواته ونزواته ويلبس جبّة الوقار أمام النّاس...لماذا نولي له أكثر ممّا يستحقّ من الإحترام؟ ونكاد نرفعه إلى درجة العصمة والقداسة إن كان اتّجاهنا إسلاميّا، وإلى أعلى درجات الحكمة والخبرة إن كانت ميولاتنا علمانيّة أو حداثيّة؟

   لماذا لا نفهم أنّ نجاح الأمم في إقامتها لدولة قويّة، مُقوّماتها مؤسّساتٌ عتيدة صلبة وقوانين متينة عادلة  ومنظوماتُ مراقبة ومحاسبة، في خدمتها إطارات ونُخب وكفاءات يُقالُ للمحسن منها أحسنت وللمُسيء أسأت. لماذا لا نفهم أنّ الإنسانيّة بلغت عهد العمل الجماعيّ في شتّى المجالات، الإجتماعيّة منها والإقتصاديّة، والسّياسيّة منها والعلميّة. أرجو أن لا تكون طينتنا من برّ "العبيد" لنبقى دائمي البحث عن سيّدٍ نرفعه فوق الأعناق تارة وننبطح أمامه تارة أخرى وبين التّارة والتّارة نضرب له الدّفوف...

   افهموا...أو  دمتم خدما لأسيادكم ... ودام لكم جهلكم

 

Publicité
Publicité
Visiteurs
Depuis la création 14 090
Publicité
Archives
Publicité