Canalblog
Editer la page Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Penser fait la grandeur de l'homme

ماذا لو؟

الْتهَمت النِّيرانُ جَسَدَ محمّد البوعزيزي بَعْد أن انْتُهِكَتْ كرامَتُه من طرَفِ امرأةٍ مسؤولَةٍ ظنَّت أنّ حُرِّيتَها كامْرأة، ومَنْصِبَها كَإِطارٍ في التَّراتيب و في التَّجمّع، يُخَوِّلان لها قَهْرَ الرِّجال بِصَفْعِ وُجُوهِهِم. وثارَتْ ثائِرَةُ الأحرار، وعَمَّتِ المَسيراتُ والمُظاهَرات عَدِيدَ المُدُنِ والقُرَى في الوَسَطِ والجنوب، وتصَدّت لها قُوّاتُ الأمْن الباسِلة حارِسَةُ مُكْتَسَبات الشّعب، مُحاوِلةً منعَها من التَّخريب والنَّهب والسّرقة، كَما رَوَّجَت لذلك قنواتُ إعلامِنا النَّزيه والحُرّ. وتعالت أصواتُ حُكماء "قاراقوش" تُنَدِّدُ بالهَمَجيَّة ومُحاوَلَةِ زَعْزَعَة البلاد التي تَنْعَمُ فيها الطُّفولةُ والشِّيبُ والشَّبيبة والإنسان كَكُلّ، بالأمن والأمان والإستقرار، وتَرْتَعُ فيها النِّعاجُ من أقصى شَمَالِها إلى مُنْتَهَى جَنُوبِها دُونَ خِشْيَةٍ مِنْ هجمات الذِّئاب. في ذلك الحين، ماذا لو اسْتَمَع شُبابُ تونس إلى "حِكْمَة قاراقوش" وأغنية "الصّوفيّة الصّادقة"؟؟؟ ماذا لو..؟؟؟

ولم يُصَدِّق شبابُ تونس "حكمة قاراقوش" ولَمْ يَسْتَسِغ الأغنية، بل تمادى في مسيراته ومظاهراته في أنْحاءَ أُخرى من الجمهوريّة، أكْثَر ثراءًا وأَوْفَرَ حُظوظا، مُدْعَمِين في ذلك من المحامين والنّقابيّين، مُطالِبين هذه المرّة بَإسقاط الحكومة، متواصلين في ما بينهم عبر الشّبكات الإجتماعيّة والأنترنات رغماً عن أنفِ "عمّار404" الذي تربطه علاقة جذريّة بحاكم "قاراقوش". وواصلت القنوات الحرّة والنّزيهة تَغْطِيَة جرائم التّخريب والنّهب والسّرقة التي تقوم بها مجموعات من المُلَثَّمين المأجورين، داعيةَ إلى التّصدّي للمُغْرِضين والوقوف دونَهم والنّيل من مُكْتَسَبَات التّحوّل المبارك من حرّيّة ورُقيّ وعِزّة وسُؤْدد. ولم يتأخّر حُكماء "قاراقوش" في مدّ الغيورين من الشّرفاء بالمال والعَتاد، لمُجابهة الحملة البربريّة المُتوَحِّشة لِإِنقاذ تونس من الهوّة السّحيــــــــــــــــــــــــقة والعميـــــــــــــــــــــــقة التي تهدّدها. وأطلّ بهيُّ الطَّلْعَةِ زَيْنُ العرب أجمعين، بجدّيّته المِثاليّة وحكمته "القاراقوشيّة" وقوّة حزمه، مُطَمْئِنًا أبناءَه الأوفياء، وَاعِدًا إيّاهم بِإنقاذ تونس من التّهلكة كما فعل من قبل، متوعّدا الأقلّيّة المأجورة من الملَثَّمين خفافيش الظّلام، بأنّه سَيُطَبِّق عليهم القانون "القاراقوشيّ" بكلّ حزم...نعم بكلّ حزم. في ذلك الحين، ماذا لو أدْمَعَت أعيُنُ شباب تونس خوفاً على البلد العزيز، واستنكروا جرائمَ المُلَثَّمين وهَبُّوا لِحِماية وطنهم، وارتعدت أوصالُهم من حَزْم الحُكْم "القاراقوشيّ"؟؟؟...ماذا لو؟؟؟

ولكن، ويا لِغرابةهذا الشّباب، لم يهدأ ولم ينثنِ عمّا أقْدَم عليه، وواصل التّمرّد والتّحدّي، غيرَ عابئِ بالتّضحيات، غيرَ مُكْترِثِ بالموت الذي يأتيه من أمَامِه ومن وراء ظهره، وكأنّه يقول

لستُ أنصـاع للَّواحي ولو  ♦♦ مِتُّ، وقامت على شبابي المناحة

لاأبالي وإن أُريقت دمائي ♦♦ فدمـــاء العشّـــاق دومــا مبـــاحة

ورمى عرض الحائط بِجَبَروت الطّغاة وقانونهم "القاراقوشيّ"، وأغرق في دِمائِه حزمَهم وعَزْمَهم، وزاد في رفع سقف المطالب إلى إسقاط النّظام. واستمات حُكماءُ "قاراقوش" في الذّوْد عن مكاسب السّابع من نوفمبر، فَازْداد عددُ الضّحايا من المُلَثَّمين بِفَضْل بَرَاعَة قنّاصي قوّات الأمن الدّاخليّ، وازداد نُعاقُ وسائل الإعلام مُنَدِّدةً بتَصاعُد الأحداث مناديةً بالتّعقّل والرّصانة والحِكمة. وأقبل صانع التّغيير مُتَرحِّماً على أرواح من قَضَوْا في سبيل أضغاث أحلامهم، واعِداً أبناءَه المُعطَّلين عن العمل مِمَّن ثقَّفهم وعَلَّمَهُم ووهبَهُم الشّهائدَ العليا، بأن يُغْدِقَ عليهم بالعطايا والقروضات، ويَرْفَعَ من مستواهم المَعيشيّ بالتّخفيض في أسْعَار السُّكَّر والخبز والحليب، ويفتحَ لَهُم آلافَ مَواطِن الشُّغل، ويزيدَ في فضل نعمته العَلِيَّة، بالتَّكرُّم على مناطقهم المَنْسيّة بِملايين الدّنانير الرّئاسيّة، دون أن ينسى العزم والحزم والهيبة "القاراقوشيّة" مع تعديلات وزاريّة. في ذلك الحين، ماذا لو احتكم الشّبابُ إلى التّعقّل والرّصانة والحِكمة "القاراقوشيّة"، وراقت لهم العطايا والوعود، وأكلوا الخبز والحليب والسّكّر بِأسوام بخسة، وهلّلوا للمشاريع المليونيّة مُنشِدين : "معاً من أجلِ تونس"، وانصاعوا لمن قال: ماذا يريدون أكثر؟؟؟...ماذا لو؟؟؟

ولكنّهم عنيدون، متَكبّرون على هذه العطايا والوعود النّوفمبريّة التي سمعوا مثلَها الكثير، مُصمِّمون على المُضِيِّ قُدُماً  في انتفاضتهم التي ارْتَقَت إلى منْزِلة ثَوْرَة عارمة، يُريدون بها دكّ الأحمر والبنفسجيّ، ومَحْقَ السّابع وما تلاه، وردْمَ التّحوّل ومن والاه. ولم يقتصروا في طلباتهم الجديدة على الإطاحة بالحكومة والنّظام، بل امتدّت أيديهم إلى ساكن قرطاج بعد حنّبعل، فمزّقوا صُوَرَه ووصفوه بالبغلْ، وأشبعوه هو وليلاه تَهَكُّماً وهزلْ، ومَلَؤُوا بمظاهراتهم شوارع البلاد، غير عابئين بالتّوعُّد والوعيد، مُعرّضين صُدورَهم إلى الرّصاص والنّار والحديد. وكثُر الهَرَجُ والمرَجُ في التَّلفزة والإذاعة، وأتوا بكلّ "قاراقوشيِّ" متحدّث ببراعة، ليُعَدّد مناقِبَ الحكومة، ويُلْقي باللّائمة على الأقلّيّة المُنْحرِفة الظَّلومة، ويُفَسِّرَ للشّباب ما لم يفهموا أبعادَه من برامجَ رئاسيّة، ويُقْنِعَهم بالتّصدّي للشّرذمة المارقة الغبيّة. وذات مساء، أطلّّ على التّونسيّين رجُلٌ قال أنّه فَهِم كلَّ شيء-هو الذي عَهِدْناه لا يفقَه في القول حديثا- لِيُطْلِقَ في لمْحِ البَصَر حِزْمَةً من الحرِّيَّات، من صحافةِ وإذاعةِ و تلفزة و أَنترنات، ويُقْسِم أنّه لن يترشّحَ لِقادمِ الإنتِخابات، ويأمُرَ زبانِيَتَه من الوحوش، بالكفّ عن استِعمال "الكرتوش"، لِحقن الدّماء الزّكيّة، ولِيَهْنَأَ الشّيخ والشّاب بنعيم الحُرِّيَّة. وَتَدَفَّق العشرات من ضاربي الدّفوف، مُهَلِّلين بِمُوَحِّد الصُّفوف. واستقبلتهم في الشّوارع القناة الوطنيّة، التي كانت في انتظارهم بكامل العفويّة، لِتنقلَ لنا المسيرة التِّلقائيّة. في ذلك الحين، ماذا لو هلّل الشّباب مع المهلّلين، ورضي بالكسب والنّصر المبين، وانتفخت أوداجه لِكسب الرّهان، بعد الإنتصار على الطُّغيان، وقال كالقانعين: ليس ثمّة أحسن من هذا؟؟؟... ماذا لو؟؟؟

فما كان منهم إلّا المُضِيِّ قُدُما في العناد، كأنّهم سِباعٌ ضارية أحكموا الإلتفاف على الفريسة، ولم يبقَ إلّا الإنقضاض عليها والتهامها دون رحمة أو شفقة، كما التُهمت منهم كرامتُهم لسنين، وقُتِلت فيهم حُرِّيَّتُهم لسنوات، وأُطْبِق على أنْفاسِهم لأعوام. وانقضّوا على الفريسة بالأُلوف المُؤَلّفة في يوم مشهود أغبر، حاول فيه أزلامُ النّظام المُهتري حماية سيّدهم بِالفتك والهتك وتوزيع الموت الزُّؤام، بالرّكل والضّرب والعفس والرّفس وقتل الأنام. ورغم ذلك لم يتأخّروا، وإن تأخّروا فَلِيعودوا. وهلع المتجبّر الجبان، وفرّ هاربا لا يلوي على شيء، تاركا وراءه القصور والحُكْم وحكايات سرقة و فساد، مُتَوَجِّها غَصْبا عنه إلى هُوّة انتظار، حيث ينتظرُه حنّبعل ليدهسه بفيلِه ويقطّعَه أشلاءًا بسيفه ويرمي به في مزبلة التّاريخ. وفي المساء، اعْتَلَت المِنَصّةَ أقزَامٌ من أزلامِه وبقاياه، لمْ ينطِقوا ببنت شفة في عهد سيّدِهم المخلوع، وإن كانوا تكلّموا إلّا لِيُؤيِّدوه، قالوا أنّهم نُزَهاءَ في زمن غير نزيه، وشُرفاءَ حيث فَقَد ساداتُهم شَرَفَهم، بيضٌ أياديهم نظيفةٌ أعراضهم طاهرة عائلاتُهم عريقةٌ أُصولهم ليس لهم من المُكتسَبات إلّا "حمّام" فيه "طيّاب" و"حارزة"، ففَهِم الشّبابُ مصدر طُهْرِهِم و نظافتهم. ونَصّب الأزلامُ أنفُسَهم بَعْد شطحات رقمِيّة مُسْتَلهَمَة من دستور هزيل لو عرضوه على أجداد التّاتار لرفضوه. وشكّلوا حكومة قالوا أنّها ستُحقّق مطالب الثّورة، وطمْأنوا الشّباب بأنّ ثورته بين أياد أمينة، وأطلقوا فزّاعات إفلات الأمن والأمان، وضياع سياحة الفرنسيّين والألمان، وتَدَهْوُر الماليّة والإقتصاد، وخسارة البلاد والعباد، وحذّروا من مغبّة الفراغ السّياسيّ، والتّدخّل المُخيف العسكريّ. وأتبعَهم في ذلك جمعٌ من بقاياه، بنَوْا حياتهم باختِلاسِ مُسْتَحقّات شعبه ورعاياه، فخطّطوا لإفشاء الرّعب والهلع، وأنفقوا لتعميم الخوف والفزع. وتشدّق بالثّورة الخسيس، بعد أن استبدل السّربالَ والقميص، ولَبِس الجَبَانُ بُدْلة الأبطال، وانْدسَّ الإمَّعَة مع الرّجال. في ذلك الحين، ماذا لو انبهر الأحرارُ من الشّباب بما حقّقوه من انجاز نادر في تاريخ وطنِهم، وانساقوا إلى القول بِأنّ ثورتهم حقّقت كامل أهدافِها، وأنّ البلاد بين أيادِ نظيفةِ أمينة، وأذْعَنوا لفزّاعات الإنفلات الأمنيّ والتّدهور الإقتصاديّ والغول العسكريّ ورجعوا إلى ديارِهم سُعَداءَ فرِحين؟؟؟...ماذا لو؟؟؟

بل قبعوا في أماكنهم مُرابطين، كأنّ في آذانِهم وقرا وأفئدتُهم هواء، وفي صُدُورِهم رياحٌ أُخَرْ، وأوضحوا للبقيّة من حُكَماءَ "قاراقوش" أنّهم لن يرضوا بأقلّ من رحيل كلّ ذي لونِ بنفسجيّ أو أحمرَ تجمُّعيّ، والقطع النّهائيّ مع الماضي الأغبر، ومُحاسبة اللّصوص وأهل الرّشوة والسّفّاحين، من طرف قضاءِ نزيهِ مُستقلّ، وإنشاء جمهوريّة جديدة بدستورجديد يسخرُ من مُحَرِّفي الدّساتير والمُتَصرّفين فيها في حدائق الحمّامات وسيدي الظّريف وأبي سعيد وقرطاج. وأنشدوا صارخين

 إذا ما طَمَحْتُ إلى غايَةِ  ♦♦ ركِبتُ المُنى ونَسِيتُ الحَذَر

ولَمْ أتَجَنَّبْ وُعورَالشِّعاب ♦♦ ولا كَبَّةَ اللَّهـَـبِ المُسْتَعِــر

ومَنْ لا يُحِبُّ صُعود الجِبالِ ♦♦ يَعِشْ أَبَدَ الدَّهرِ بين الحُفَر

فَعَجَّتْ بقلبي دِماءُ الشَّباب ♦♦ وضَجَّت بِصدْري رِياحٌ أُخَر

وثارت ثائرةُ نُزَهاء "قاراقوش"، وأدْمَعت أعيُنُهم لقِلّة ثقة الشّباب فيهم، وأقسموا جُهْدَ أيْمانِهم أنّهم صادقون، وأنّ الطّيبة والخِبْرة والنّظافة "الغنّوشيّة" قَطَعَتْ علاقَتَها إلى الأبَدِ مع المَدْرَسَةِ "القاراقوشيّة"، إلّا مِنْ مُكالَمة بَريئةِ هاتِفِيّة، سُئِلَ فيها باقْتِضابِ عن الصِّحَّة والأخبار، ولمْ يأتِ الحديثُ فيها عن الخِطَطِ المَوضوعَةِ لتونسَ والدِّيار. وأعَدَّ صاحبُ الأيدي النّظيفة جدوَلَ أعمال، أبْدَلَ بِه عِرَّةَ الرِّجال بِأَشْباه الرِّجال، قال إنّهم نُزَهاءَ مِثْلَه من أكابر"غنّوش"، فإذا بِهِمْ حُثالةٌ من أتْباعِ "قاراقوش". فأقْدَمَ إلى إِصْلاحِ الأُمُورِ مااسْتَطاعْ، بتَعْيينِ مَنْ لهُم حِنْكةٌ وباعْ، فَإِذا ب'ساركوزي'يَمُدُّ في تونس ذراعْ. ولكي يُطبِّقَ القِسْطاس والميزان، تَرَك ل"أوباما" صديقَه مُرجان. ووَاصَل مُنَصِّبُ نفسِه تكوينَ اللّجان وتعيين الوُزَرَاء والوُلّات مُتَوخِّياً نفس الطّريقة، إلّا في بعض الإستثناءات لبعث الطّمأنينة واسْتِجْلاب رِضاء الثّائرين. في ذلك الحين، ماذا لَوْ اقْتَنَع شباب الثّورة بالتّعيينات، وتشكيل لِجان تقصّي الحقائق واللّجان الأخرى، واسْتَمَع إلى نِداءات الخائفين على الإقتصاد، والعاطفين على الحالة التي آلت إليها البلاد، والمُشْفِقين على أبنائنا الذين ستضيعُ منهم سنتهم الدّراسيّة، والمُرَوِّعين بالفَجْوَة الأمنِيّة، وأَذْعَن لمُطْلِقي الفزّاعات؟؟؟...ماذا لو؟؟؟

ولكنَّ طينتَهم من حديد، وأفئدتُهم تأبى الرُّضوخ والتّأييد، فواصلوا إلى الأمام، وعَزَّزوا مطالبَهم بالإعتصام، وسكنوا في القَصَبة، لكي لا تُصبِحَ ثوْرتهم مُغتَصَبة. وغَصَّت ساحَةُ الحُكومة بأحْفاد علي بن غداهم والدّغباجي وحشّاد والشّابّي، لا يَنَامون اللّيل ولا يَهْدَؤون النّهار، مُقِيمين النَّدَوَات، رافعين الشّعارات، مُنَادِين في تَحَدٍٍّ واحْتِجاجْ:"ديقاج..ديقاج..يا عِصابة الخمّاج". وزَادوا صارِخين في هذا المَسَاق، "التّشغيل استِحقاق، يا عِصابة السُّرّاق". واسْتَشاط نُزَهاء "غنّوش" من الغيظ في صمت وأزْبَدوا، وَاغْتَاظ بقايا "قاراقوش" بِمَكْرٍ وأرْعَدوا، وعَمَدُوا إلى شِرَاء ذِمَّة مَنْ لا ذِمّة له من الرَّعَاء والأخْيَاف، فاندسّ الحَقِيرُ والخَسِيسُ بَيْن الرِّجال من الشَّباب الأَشْراف. وجلَبُوا الإِناثَ من العَاهِرات، وخَبُّؤُوا الخُمورَ والمُخَدِّرات، وأطْلَقُوا العِنَانَ للْمُعَرْبِدين والفتوَّات. وذات يوم، انْسَحَب الجيشُ فجْأةً من السّاحة، وهَجَم البُوليس ضارِباً بكُلِّ راحة، رَصَاصٌ وغازٌ ومُفَرْقَعات، عَفْسٌ ورفْسٌ وهِرَاوات. وَعَمَّت الفَوْضى في المَدينة، وصارت مرتَعاً للحِقْدِ والضّغينة. وأُطْرِد الأبْطالُ شَرَّ طرْدة، وعمَّ الحُزنُ بلْدَةً بِبَلْدَة. وأدْمَعَتْ من الرَّذالَة أعْيُنُ الرِّجال، والْتََهَبَت من الدّناءة صُدورُ الأبطال. وسِيقَ الذين اعْتَصَمُوا إلى مُدُنِهم ترْهفُهُم ذلّة، مُنْكسِرةٌ نفوسهم مِنْ القَهْرِ والمَذَلّة، مُسْتَهْزِءٌ بِهِمْ أخْيَفٌ وعُتُلٌّ زَنِيمٌ وجِوَاظٌ حقيرٌ يَخَافُ ظِلَّهْ. وتكلّم مُنَصّبُ نفسِه بِهُدُوء وعلى مَهَلْ، بِأنْ ليسَ لَهُ في الحِكاية ناقةٌ ولا جَمَلْ. في ذلك الحين، ماذا لو انْصَاع الأحْرَارُ للأَمْر الواقع، وأذْعَنُوا لتشَبُّثِ نُزَهاءَ "غنّوش" بكُرسِيّهِم، وطَأْطَؤُوا الرُّؤوسَ أمام جَبَروت بقايا "قاراقوش"؟؟؟...ماذا لو؟؟؟

وَبِما أنَّ نُفوسُهم أبِيّةٌ وحِسُّهُمْ مُرْهَفٌ كأجْدادِهم الأَشَاوس، دَوَّتْ في خبايا أفْئِدَتِهم كَلِماتُ عُمَرَ المُخْتار : "نَحْنُ قَوْمٌ لا نَسْتَسْلِم...نَنْتَصِرُ أوْ نَمُوت"، وصَمَّتْ آذانَهُم صَرْخَةُ الشَّابّي

إذا الشَّعْبُ يوْماً أراد الحَياة♦♦فلا بُدَّ أن يَسْتَجيبَ القَدَرْ

ولا بُــدَّ للّيلِ أنْ يَنْجَلِــي♦♦ولا بُدَّ لِلْقَيْدِ أنْ يَنْكَــسِرِ

ومنْ لمْ يُعانِقْه شَوْقُ الحَياة♦♦تَبَخَّرَ في جَوِّها وانْدَثَرْ

ورَفَضَ الشّبابُ الإسْتِسْلامَ والتّبَخُّرَ والإِنْدِثار، وأعْلَنُوها مُدَوِّيَةً: إمَّا المَوْتُ الشَّريفُ وإمّا عَذْبُ الإنْتِصار. وعانَقَهم شَوْقُ الحياة، وضجَّت بِهِم رِياحٌ أُخَرْ، وقَالُوا إلى الّيل هيّا انْجَلِ، ودَكُّوا القُيُودَ لِكَيْ تَنْكَسِرْ، إذا ما أراد الحياةَ شَبَابٌ، فلا بُدّ أنْ يستَجِيبَ القَدَرْ.                 (ما أَسْمَى مَقَامَك يا أبا القَاسِمْ، مَهْما مَدَحْنا...ما وفّيْناك حقَّ قَدْرِكْ)ا 

..................

في ذلك الحين، ماذا لو؟؟؟؟؟

البقيّة آتية إن شاء الله

Publicité
Publicité
Visiteurs
Depuis la création 14 090
Publicité
Archives
Publicité